تُعرض على خشبة مسرح دوار الشمس في الطيونة مسرحية “تعارفوا” كتابة وسيناريو واخراج يحيى جابر. الأربعاء ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
أنطوان سلامه- تعارفوا عنوان مسرحية يحيى جابر “الكوميدية الطائفية” كتابة وإخراجا في سياق نشاطات جمعية مارتش
يقودك العنوان حكما الى سورة الحجرات (آية ١٣) :” يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا…” يقارب يحيى جابر عنوان مسرحيته من زاوية أخرى في سياق بحثه الدائم في الهويات اللبنانية.
.”يمسرح” بحثه على خشبة من دون ديكور
تغيب المدينة عن خشبته، باستثناء عازفين يجلسون على كراسي بمستويات عدة، وشاب يقدّم برنامجا تلفزيونيا لهواة في فنون عدة أو أوجاع مختلفة.
.تغيب المدينة حجرا لتحضر بيروت في تناقضاتها، في الضاحية والخندق العميق والطريق الجديدة والاشرفية
يظهر على الخشبة، هواة في التمثيل، حصدتهم جمعية مارتش، من بيئات مهمّشة، لتكسر حواجز الخوف من الآخر فتفتح لهم المستقبل.
لا يضيئ يحيى جابر على الهوية الضائعة والمشلّعة في حدّ ذاتها، يقود ممثليه الى داخلهم، يفصلهم عن الإطار ويتوغل معهم في الذات والآخر، في برنامج احتفاليّ، يستند الى التعبير عن الجراح التي فيهم.
يقارب يحيى الصراعات اللبنانية ويغوص أكثر في تداعيات الفقر والنمو العائلي والصدمة في مدرسة أو شارع.
تكمن مهارته في حواره مع هؤلاء الشباب المهمّشين، لينتزع منهم اعترافات خاصة حوّلها الى حبكة مسرحية جذابة.
كتب نصّه انطلاقا من تجارب شبابية، فجاء حقيقيا الى درجة يختلط فيها المسرح مع “حيوات” حصلت بالفعل.
من تابع مسرح يحيى جابر، يلاحظ أنّ في نصه والسيناريو الذي صاغه في “تعارفوا” يخرج عن سياقه من دون أن يبتعد.
حافظ على اتقانه فنّ السخرية في اللحظة الجديّة.
تتمثّل شاعريته في التعبيرعن وجع ممثليه، لم يكتب نصا شعريا، غاص في بلورة نص دراماتيكي مأهول بسكان من لحم ودم وجراح.
برع في استخدام ” المونولوج” المشهور في صياغته، فأعطاه بُعدا جديدا تمثّل في الحديث علنا مع الذات ومع الآخر المُختلف في جلسة عامة أو برنامج تلفزيوني.
حافظ أكثر على صفته صحافيا استقصائيا يبحث دوما عن الفضيحة التي تكشفها صراعات الهويات الضائعة في الهوية الشخصية واللبنانية، وهذا امتياز له في مسرحه ال “بيروتي” المتفرّد بصفة عالمية، في تطرقه الى الهواجس.
بيروت في “تعارفوا” هي الأساس بما تضمه من هويات وجنسيات ضائعة في مآسي لبنان وفلسطين وسوريا.
ما أضافه يحيى جابر في مسرحيته الجديدة، أنّه اقتبس حواراته من نماذج بشرية حيّة نراها تعرض مآسيها على الخشبة.
أخرج المأساة الفردية من دهاليزها، ومن تهميشها، لتتدفق على الخشبة حركة وتعبيرا ،فيضحك الجمهور لينكفئ الى ذاته بعد كل قهقهة، يتذكّر أنّ ما يشاهده ويتفاعل معه، ليس مسرحا، هو الواقع الملتصق بالحقيقة المؤلمة.
نجح يحيى جابر في فصل المسرح عن الحياة، دمجهما في “تعارفوا” الى حدّ التلاحم المتماسك.
لم يصدّق الجمهور أنّ من على الخشبة هو ممثل، أقنعه يحيى جابر بأنّه انسان مجروح ومصلوب ومفتت، ومطعون في صميمه.
كسر محرّمات وهو الذي يجيد الهزل في الجدّ. حطّم الوقار والرصانة في لعبته المسرحية التي تغطي انحرافه في السخرية السوداء
بالتساوي، عرض على المسرح أوجاع الرجل والمرأة والمثلية
اختارغناء الراب “المرذول شرقا” لتصدح أصوات غنيّة وفتيّة
أبرز مهارات الشباب في الرقص الملتوي، حين نشر سود أميركا كمنبوذين، هذا النوع من الرقص المجنون للتعبير الجسدي عن ذواتهم في الشارع المفت
شخصيات الطريق الجديدة والضاحية والخندق العميق طغت
أبرز من خارج المألوف صورة الدرزي الذي لا مكان له في الطوائف، خندقه في أقلوية دمجها في نهاية المسرحية مع أقلية مسيحية في رمزية الانعزال في مقابل الأكثرية
ولحظة تطرق الى عنصرية “البشرة الغامقة” ارتفعت مسرحيته الى مستويات الجرأة الجارحة جدا مقدّما لوحة رائعة من التنمّر الذي يشكل محورا ثابتا وخفيّا في النص الذي كتبه
لم يتردّد يحيى جابر، في إخراجه وادارته الممثلين، في المحافظة على شخصية كل شاب وافق على التمثيل حتى ولو لم يكن موهوبا
لم يهتم بالموهبة بل بقدرة هذا الشاب على أن يتخطى ذاته على الخشبة عارضا جراحه أمام جمهور ضحك كثيرا وبكى
ربما بكى من كثرة الضحك
وربما ما عرضه يحيى جابر تعاونا مع ليا بارودي (منسّقة عامة لجمعية مارتش)يُبكي كثيرا
*جاء في كراسة المسرحية:ماذا يحدث عندما ١٨ شابا وشابة، من مناطق وخلفيات مختلفة في بيروت وضواحيها يلتقون ليتعارفوا ويمثلوا لأول مرة على خشبة المسرح؟ استخدمت عملية فنية فريدة من نوعها في كتابة سيناريو المسرحية، وقد استوحيت من حياة وقصص وتجارب ١٨ شابا وشابة ٦٠ دقيقة مليئة بالمواجهات الشيقة وحس الفكاهة والمواقف المضحكة والتوتر، والمزيد حيث يعالج الشباب مواضيع مهمة،من أنا؟ شو بتعرف عن الآخر، وكم هوية بالهوية اللبنانية؟ ويجيبون عن القضايا المثيرة للجدل في لبنان اليوم ألا وهي: الخوف من الآخر والمفاهيم الخاطئة والتنمّر والعزلة والعنف